لويس لونا من الشعراء الأسبان المعاصرين، يعيش في مدريد وقد زار سوريا وألّف عنها ديواناً بعنوان الرحلة. وقد خصّ "تدوين" بالمختارات التالية من هذا الديوان.
سوق
1
في الهواء يرسمُ خطوطاً
يدرس عمارةَ وحدَتِهِ.
2
يُباغِتُ خطّ القبّةِ المنحني
فَلَكَ السفرجِلِ
ينسفِحُ في كثبان البهار الحمراءِ
في ذهبِ الخنجر
في فصِّ الفم المُشتَعِل.
3
أشعر كيف يمنحنا البهارُ عبَقَ
مكانٍ مُستَذْكَرٍ
فضاء نصَّبه بعضُهم جنَّةً.
4
أتأمَّل فَتَيَيْنِ
يضحكانِ تحتَ الشمسِ
يَجْهلان الرموز الإلهيةَ
للُّغَةِ التي تكتب العرق على جسديهما.
5
تلقاني مثلَ حجرٍ
في طريقك
لا يقلقُكَ هدوئي
بل يُكمِلُكَ.
6
الشايُ الأسودُ
الذي نتلذَّذُ به معاً
سيُقيم فينا صائغاً دَمَنا.
الدم ذاته الذي يجوبنا.
7
تهزِمُ الكلمةُ المُنْتَظَرَةُ
التجربةَ
تُتقِن الحواشي
ترسمُ الظلالَ.
8
يَتَراكَمُ الزمنُ
تحت أذيال النسيانِ البيضاء
أنثرُ بذوراً
كي تبقى ذاكرتي.
مسجِدُ بني أُميّة الكبير
9
حيّ على الصلاةِ
وكان الصوتُ قد صار فيَّ مثل ذكرى.
أتقدَّم في سكوني
نحو النبع
وأخرج للقاء الدعاء.
10
تنحني الحجارةُ للنورِ
كي يُنيرنا الفُسيْفساءُ.
11
يحتفي الماءُ بالبركة.
فيُحرز مكانه
في الشعيرة.
12
في الظهيرة
يَنْثَني المعبَدُ المُهدَّدُ بالظلِّ
في دوائر من نورٍ
تسربلُ المؤمنين.
13
فجأةً يروي النورُ قصّةً
بطريقة هندسية
فيُحَضِّرُ انسجامه
في مزقٍ عديدة.
14
على بَشَرَة عمودٍ عتيق
أُرتّل اسمي
وأسمعُهُ يكبَرُ كاللبلاب.
15
لا يُتْعِب العلوُّ الأخضرَ
على كلسِ المعبَدِ.
بل يُعلي حضوره.
16
هنا يلقى النورُ أسماءً
تتخطّى اللغة.
صحراء
17
يفرضُ الرملُ حضورَهُ
شكلاً آخر للذاكرةِ.
ينقر بقايا ظلّي.
18
يُخفي الرملُ
مزقاً من صوتي
يحميها من عراءٍ نسبيٍّ
يسبقُ الصمتَ.
19
يخطّ كلماتٍ على الرمل
كيلا ينطق بها غير الريح.
20
غسلتُ يديّ ووجهي
بالرملِ الحارِّ
فتوَّجت ظمئي.
21
يقولون الماءُ
يتدفَّقُ في جوف الصحراء
مثلي في جوفي.
22
في مكان ولادتي
يفرضُ الماءُ أسماء.
الرملُ الذي ألمسهُ الآنَ
يمنحني هويّةً.
23
يتعطّشُ الرملُ الناعِم
لجرح الغسق.
ينتظر رطوبتَهُ ودمَهُ
كي يعرف نفسه.
24
واحدٌ من كلّ من كنتُهم
لم يرحل.
يُرطِّبُ الرملَ
يبني داراً لعودته.
دراويش
25
دعوا الكلمةَ
تبحثُ عنهم
وتنفذ فيهم
فلتكن هي من تبدأ دورانها.
26
كما تجوبُ العصافيرُ
درباً مطروقاً.
تسكنُ العبورَ.
27
تتعدّى الاستقامةَ
بدءاً من مركز السكون
تنمو الدوائرُ.
28
يمكثون مُغمضي العيون
لهم هذا العماءُ.
وحده اللمسُ يهدي في الظلمة
يسمحُ بعبور المتاهة
التي تُطلقها الذاكرةُ
ويُدرِكُ المرآةَ العارفة بالأسماء.
29
يرسمون صوراً
للمعرفة
ويستسلمون
لإله البراءة.
30
في الرقصة
يلتهمون
هويّتَهم
ويتبعون
ذهبَ الغياب.
31
يرقصون مثل حجارة بيضاء
مرميّة إلى الماء الشفاف
بحثاً عن مركز.
32
يُدركون هشاشة الدائرة.
الاهتزازات التي تبثّها
ما إن تكتمل، طريقتها في أبديّةِ الصمت.
33
الدائرة البيضاء التي يسكنونها
تُشبه الفراغ.
الفراغ الضروري لبناء مسكنهم.
34
تدور حول الصوت.
تُمارس لغة الدائرة .
الـفـرات
فليبكك الفرات، الأجاج الذي منه كنا نرتشف ماء الضروع
ملحمة جلجامش
35
لا تستطيع العيون التركيز على نقطة.
يرفعها التيارُ
بكل مداها
مثل جملة طويلة
قالها الضوء
ولم تُسمَع.
36
تحت قبّة انتظار الوحي
الفضاء معلّق إلى ماء قوي قديم
حيث لا أحد يتقدّم.
وحدها السنبلة الشامخة.
الشعير النامي. طائر غير دقيق.
وعد الماء.
37
جواد يعاني فوق الأخضر والأبيض.
احتضاره طويل
ويجري في العملة الزرقاء
التي يحملها الماء. يا للضياع
الذي يصهل به في سقوطه.
أيّ وعد يُخفي في هدوئه.
38
يا للطريقة
التي تُجبر بها الريحُ
البذرةَ أو تُرجع للشيء مكانه
بدقّة خالصة.
كلّ الذي يتدفق
يُنسى أو يتفتَّتُ
في سرير النهر.
هكذا اليد الصديقة،
الصوت الذي كان يوماً كالنشيد،
أو كالمعبد: وشوشة المقدّس.
[يعاد نشره بالإتفاق مع تدوين. ترجمه عن الأسبانية: رفعت عطفة ]